الفلسفة الزائدة- عندما تفسد البساطة وتُغضب الزوجة.

المؤلف: ريهام زامكه09.10.2025
الفلسفة الزائدة- عندما تفسد البساطة وتُغضب الزوجة.

في كل معترك اجتماعي، لا بد وأن يبرز ذلك الفرد الذي، إذا ما استفسرت منه ببساطة عن التوقيت، يجيبك بعبارات ملتوية من قبيل: "الوقت يا صديقي، مفهوم نسبي يختلف باختلاف الزاوية التي ننظر منها إليه"!

هناك طائفة من البشر مولعة بالفلسفة، حتى وإن كانت تلك الفلسفة تفتقر إلى المنطق السليم أو الحكمة الرصينة، يتفلسفون لمجرد إشباع نزعة في داخلهم، أو في محاولة لإقناع الآخرين بأنهم يتميزون بنوع من التفرد والتميز، وبصراحة مُرّة، هم يعانون اضطرابات نفسية دفينة، ونحن نعاني تبعات وجودهم في حياتنا اليومية.

وصدقوني، لو كان الفيلسوف القديم (سقراط) – أو سقراط كما ورد في بعض الروايات – حياً بيننا اليوم، لتمنى الموت ألف مرة هرباً منهم ومن جدالهم العقيم.

بالنسبة لي شخصياً؛ لا أجد في الفلسفة بمختلف أشكالها أي جاذبية، وأسعى دائماً نحو البساطة والوضوح في كل جوانب حياتي، أريد طعاماً يؤكل دون تعقيد، وكلاماً مفهوماً لا يحتاج إلى تأويل، وسؤالاً تتم الإجابة عليه مباشرة دون مقدمة طويلة مملة تضاهي نشرة الأخبار المسائية.

باختصار، أنا إنسانة بسيطة وعفوية، إذا شعرت بالجوع أكلت بنهم، وإذا شبعت حمدت الله وشكرته، وإذا داهمتني رغبة في النوم استسلمت لها دون تردد، وإذا حاول أحدهم التذاكي عليّ بفلسفته العقيمة، تجاهلته تماماً ووضعته في خانة التجاهل التام.

وبمناسبة الحديث عن الفلسفة؛ أقدم أحد الأزواج (الذين يظنون أنفسهم ظرفاء) على طرح سؤال فلسفي على زوجته بينما كانت منهمكة في إعداد وجبة الفطور له، سألها بنبرة لطيفة:

- عزيزتي، هل تفضلين أن أعد لكِ بيضاً مسلوقاً أم بيضاً مقلياً؟

فأجابه الزوج بأسلوب فلسفي مُتعمق:

- يا حبيبتي، الحب الحقيقي لا يُقاس بنوع البيض الذي تعدينه لي، بل بالنية الكامنة وراء تقديمه، هل تطبخينه لي لأنك تحبينني من أعماق قلبك، أم لأنك تخشين غضبي وسخطتي؟!

- فنظرت إليه زوجته بنظرة غاضبة تحمل في طياتها الكثير من الاستياء، ثم كسرت بيضة بعنف وقالت:

- بصراحة، أطبخه لكِ لكي تبتعد عن المطبخ نهائياً ولا تعيث فيه فساداً وتخريباً.

- لكن الزوج لم يستسلم أمام هذا الرد الفظ، بل تابع بأسلوبه الفلسفي المُستفز:

- ألا ترين يا عزيزتي؟ نحن نعيش علاقة زوجية تقوم على الخوف من الفوضى والعبث، وليس على الحب الصادق والعميق المتبادل بيننا، هذه هي المأساة بعينها.

- لم تتحمل الزوجة هذا الكم الهائل من الفلسفة الفارغة، فتوجهت نحوه بغضب شديد وكسرت البيضة الثانية فوق رأسه، وقالت له بتهكم وسخرية: "هيا يا فيلسوف زمانك، دع فلسفتك تنفعك في وجبة الفطور هذه".

عموماً؛ هذه مجرد مشاكل عائلية لا تعنينا في شيء، ولكن قبل أن نغادر هذا الموضوع، أخبروني من فضلكم، من الذي جاء أولاً إلى هذا العالم، البيضة أم الدجاجة؟!

على أي حال؛ في مسيرة حياتنا اليومية، قد نلتقي بأفراد من هذا النوع، الذين يمتلكون قدرة فائقة على تعقيد أبسط الأمور وتحويلها إلى قضايا معقدة ومركبة، إذا سألت أحدهم ببراءة: كيف حال الطقس اليوم؟، يرد عليك بأسلوب فلسفي مُتذاكي: الطقس يا صديقي ليس سوى انعكاس لحالتك النفسية الداخلية، فقد تشرق الشمس ساطعة، ولكن قلبك يكون مُغَيَّماً بالحزن والأسى، وقد تهطل الأمطار بغزارة، ولكن روحك تكون قاحلة وجدباء كصحراء قاحلة، وإذا قررت الصمت والاستماع إليه فقط:

سيقولون لك بتبجح: الصمت يا صاحبي أبلغ من الكلام وأكثر تأثيراً، وأنت في تلك اللحظات لا تفكر إلا في شيء واحد فقط، متى سيطبقون هذه الحكمة بأنفسهم ويكفون عن الكلام الفارغ.

خلاصة القول:

يبدو أن هذه الفئة من البشر تعتقد أنها تنام كل ليلة على مؤلفات الفيلسوف الألماني الشهير (نيتشه)، وتستيقظ كل صباح على وجبة فطور من إعداد الفيلسوف الفرنسي (ديكارت)، ويؤمنون إيماناً قاطعاً بأن الحياة بأكملها ستفسد وتتعقد إذا ما تعمقنا فيها فلسفياً أكثر من اللازم.

بالمناسبة؛ سألت صديقة لي تعمل (مُدرسة رياضيات) في سياق حديث عابر بيننا: متى تخلدين إلى النوم في الليل عادةً؟

فأجابتني بأسلوب رياضي مُعقد: "أنام في الساعة التي يكون فيها مربع ثلثها مساوياً لمكعب سدسها".

(الآن حاولوا حل هذه المعادلة بأنفسكم إذا استطعتم)، أما أنا شخصياً فقد اكتفيت بالرد عليها بالقول:

الله يشغلك في نفسكِ، أتمنى ألا تنامي أبداً.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة